تعاني الكثير من الزوجات من شك أزواجهن، وتلصصهم الدائم عليهن، حيث يلجأ البعض منهم إلى عد الأنفاس على زوجاتهم، الأمر الذي يثير حفيظتهن، ويجعل الطرفان دائمَيْ الشجار، لتتحول الحياة الأسرية إلى جحيم لا يطاق، الأمر الذي قد ينتهي إما بارتكاب الزوج لبعض الحماقات، أو طلب الزوجة الإنفصال..
وأمام تعدد شكاوى الزوجات، دعا خبراء الإجتماع إلى التفريق بين الشك والغيرة، مشيرين إلى أن الغيرة وجه من وجوه الحب، وعلامة من علاماته، وهي مطلوبة ولكن بحدود، وحذروا في الوقت نفسه من أن تتحول الغيرة إلى شك في حال زيادتها عن الحدود الطبيعية، لأنها قد تعجل بإنهيار الحياة الزوجية.
وأرجع الخبراء أسباب الشك إلى عدد من الأمور من بينها عدم الثقة بين الزوجين، وإخفاء بعض الأمور عن الطرف الآخر، وضعف الوازع الديني، والقيام ببعض التصرفات التي تثير الشك سواء من الزوج أو الزوجة.
¤ بين الشــك والغـــيرة:
وعن أسباب الشك تقول الدكتورة انشراح الشال أستاذ الإعلام الاجتماعي بكلية الإعلام جامعة القاهرة: المرأة قد تكون السبب وراء شك زوجها فيها، وذلك من خلال قيامها ببعض التصرفات، كخروجها من البيت في غير أوقات العمل دون أن تخبره، وإرتدائها ملابس غير مناسبة، قد تثير الغيرة والشك في صدره، مشيرة إلى أن طبيعة عمل المرأة نفسها، وعدد ساعات تواجدها خارج المنزل، قد يكون أرضا خصبة للغيرة والشك.
وبينت الشال أن هناك فرقا بين الشك والغيرة، فالغيرة وجه من وجوه الحب وعلامة من علاماته، وهي مطلوبة ولكن بحدود، لأنها تضفي على الحياة الزوجية طابعا محببا، وتُشعر المرأة بأن زوجها يحرص عليها، ولا يحتمل أن يقاسمه أحد فيها، حتى إن كان ذلك بمجرد النظر، محذرة من أن تتحول الغيرة إلى شك في حال زيادتها عن الحدود الطبيعية، لأنها قد تعجل بإنهيار الحياة الزوجية، مشيرة إلى أن درجة الغيرة تختلف من شخص لآخر حسب تربية وتركيبة الشخص النفسية والإجتماعية.
وأوضحت الشال أن الشك مرض نفسي خطير، والحياة مع زوج شكاك مغامرة لا تحمد عقباها، لأن بعض الرجال لا يستطيعون التحكم في شكوكهم، والتي تدفعهم أحيانا إلى إرتكاب الحماقات، بل قد تؤدي إلى الطلاق، مشيرة إلى أن طبيعة الزوجة ودرجة تحملها وظروفها الإقتصادية والإجتماعية، خاصة إذا كان لديها أطفال، هي التي تؤثر في قرار الزوجة إما بالإنفصال أو إستمرار العيش مع الزوج.
¤ أزمة ثقــــــة:
في حين أرجعت الدكتورة غادة بنت عبد الرحمن محمد الطريف أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة البنات بالرياض أسباب الشك إلى عدم الثقة بين الزوجين، وإخفاء بعض الأمور عن الطرف الآخر، وتدخل بعض الوشاة بين الزوجين، وضعف الوازع الديني، ووجود بعض التغيرات في حياة أحد الزوجين أو كلاهما، وعدم الحكمة في بعض التصرفات، أو القيام ببعض التصرفات التي تثير الشك سواء من الزوج أو الزوجة.
وفي السياق ذاته، عزت ناهد عبد العال الخراشي مستشارة أسرية أسباب الشك إلى عدم الثقة بالنفس، وبالتالي عدم الثقة بالآخرين حتى ولو كان أقرب الناس، وعدم الإحساس بالأمان النفسي الداخلي، مشيرة إلى أن الشك غالبا ما يرجع لعوامل في الطفولة ومشكلات تربوية تعرض لها الشكاك منذ الصغر، أو نتيجة لمروره بتجارب فاشلة أعدمته الثقة بنفسه والآخرين.
وأوضحت الخراشي أن الرجل الشكاك يكون شديد الحساسية للإنتقاد والتوجيه، وأن هناك فرقا بين الشك النابع من عدم الثقة بالنفس وكيفية معالجته، والشك الذي تطور حتى أصبح حالة مرضية مقلقة، وأن علاج الشكاك ليس سهلا، وخاصة أن صاحبه لا يدرك أن لديه اعتلالا في طبعه وشخصيته.
¤ روشــتة علاجــية:
وعن كيفية التعامل مع الزوج الشكاك تقول الدكتورة انشراح الشال أستاذة الإعلام الاجتماعي بكلية الإعلام جامعة القاهرة: أنه يجب على الزوجة أن تكون واضحة وصريحة في التعامل مع هذا الزوج، وعليها الإستئذان قبل خروجها من المنزل، وحسن معاشرته، والإبتعاد عن كل ما يمكن أن يشعل نار الغيرة والشك لديه، كما يجب على الزوجة ألا تعاند أو تعترض حين يطلب منها زوجها أن توضح له أي لَبس أو شبهة تحيط بمسألة ما، وذلك حتى يطمئن قلبه، ويطرد الشكوك من تفكيره.
وبدورها رأت الدكتورة صفية عفت رئيس قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس أن أغلب الأزواج الذين لديهم هذه الصفة يعانون أمراضًا نفسية تتطلب العلاج والمشورة، موضحه أن للزوجة دورا في العلاج، وذلك من خلال إقناع الزوج بأهمية المشورة النفسية، والذهاب معه إلى الأخصائي النفسي، فهناك ما يسمى بالعلاج النفسي الزواجي، حيث يقوم المتخصص بالتعرف على المشكلة التي يعاني منها الزوجان أو أحدهما، ليضع يده على موطن الخلل، وهنا يستطيع أن يبرز لكل منهما عيوبه، دون جرح أي منهما.
ومن جهته أوضح الدكتور إبراهيم بن محمد الزبن أستاذ علم الاجتماع الجنائي المساعد، ورئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الشك شعور إنساني طبيعي إذا كان في حدوده الطبيعية، أما إذا زاد عن الحد فيعد مرضياً، ومن الممكن أن يؤثر بالسلب على حياة الإنسان، مشيرا إلى أن الشك مرتبط بشخصية الإنسان، ويختلف بإختلاف مزاج الفرد وذكائه وظروفه الإجتماعية والإقتصادية، وتنشئته الإجتماعية.
وأشار إلى أن علاج الشك المرضي يكون من خلال تقديم علاج إجتماعي ونفسي تحليلي تدعيمي يساعد على إكتشاف الأسباب التي أوجدت الفكرة أساساً لدى المريض، ويسهم في حلها بالنصح والإرشاد الإجتماعي والنفسي، والذي قد يتطلب أحياناً مشاركة أسرة المريض وبالذات الزوجة، وأن العلاج قد يتطلب فترة زمنية طويلة نسبياً على حسب حالة المريض ومدى إستجابته وتعاون المحيطين به.
وتابع قائلا: تشير بعض الأبحاث إلى بعض صور هذا العلاج، ومنها: الحوار المباشر القائم على التحليل النفسي لدى المتخصصين بعلم النفس الإكلينيكي، والذي يتطلب ضرورة الحوار الصريح للبحث في العوامل الاجتماعية التي رسخت بعض المفاهيم الخطأ لدى المريض، وخاصة في مرحلة التنشئة الإجتماعية، وإشراك الزوجة في بعض مراحل العلاج، لأنها قد تلعب دورا في حدوث المشكلة، بحيث يجب مصارحتها بضرورة حسن المعاشرة، والإبتعاد عن كل السلوكيات التي قد تثير الشكوك لدى الزوج، وقد تحتاج بعض الحالات المرضية المتقدمة إلى علاج دوائي للزوج المريض بداء الشك بجانب العلاج النفسي والإجتماعي.
المصدر: موقع همسات.